الشيخ الدكتور محمد العريفي ولد عام 1390هـ، له أربع بنات وولدان، نشأ في مدينة الدمام، مشاركاته الثقافية والدعوية بدأت منذ صغره، وارتقى منبر الخطابة في الثانوية، وإلقاء الكلمات في الجامعة، وتوجه لإلقاء المحاضرات العامة بعد التخرج من الجامعة، وهو اليوم أحد الدعاة البارزين المؤثرين، يتطلع إليه الكثير من الدعاة، ويحبه الشباب؛ لأسلوبه الجميل وانتقائه الرائع، واهتمامه بالقضايا المؤثرة ، سائلين الله له الثبات والسداد، ويسرنا في مجلة السودان الجديد نقلا عن الشبكة الإسلامية أن ننقل بعض عناصر حوار دار معه:
* كيف بدأت طريق الدعوة؟ - منذ أن جئتالرياض عام 1412هـ أصبحت إماماً وخطيباً لجامع كلية الملك فهد الأمنية وهذا زاد قدراتي على الإلقاء ومواجهة الناس، كان هذا الجامع يصلي فيه ما لا يقل عن 2100 طالب يتخرجون ضباطاً ومنذ ذلك الوقت وأنا ألقي عندهم دروساً يومية وأصلي بهم، وكان الطلاب يستفتوني في مسائل ومشاكل متعددة، فهذا الجو الذي عشته أعطاني قدرة على تحليل المشاكل وحل الخصومات، وكنت عضواً في لجان متنوعة في الشئون الدينية وإصلاح ذات البين، بعد ذلك صدر اسمي في بيان الدعوة في وزارة الشؤون الإسلامية في البيان الثالث، وبعدها انطلقت ولله الحمد في المحاضرات·
*حدثنا عن مشايخ حضرت لهم؟ - كنت أحضر كثيراً لشيخنا الشيخ عبد الله بن جبرين فلازمت دروسه في المسجد قرابة ثماني أو تسع سنوات، والشيخ بن باز -رحمه الله- أيضاً حضرت عنده بعض الدروس بعد الفجر وبعض دروس المغرب، وشيخنا عبد الله بن قعود عضو اللجنة الدائمة سابقاً، قرأت عليه الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد وبعض الكتب· ودرست في كتب متعددة منها الاعتصام للشاطبي ومنها شرح الزركشي على مختصر الخرقي والأصول الثلاثة وكتاب التوحيد والمنتقى من منهاج الاعتدال وغيرها.
· هل لابد للداعية أن يزاحم طلبة العلم في مجالس العلماء ليكون داعية أم تكفي فقط الدراسة في المدارس والجامعة؟ الداعية لا بد أن يخالط العلماء فيتعلم أسلوبهم وطريقة التعامل مع الناس، لذلك قالوا: إن الإمام أحمد كان الحضور عنده خمسة عشر ألفاً منهم خمسة آلاف يكتبون الحديث، وعشرة آلاف يتعلمون منه السمت، أي يتعلمون منه طريقة كلامه، حركته، سكونه، اتباعه السنّة، طريقة إجابة الأسئلة ونحو ذلك·
* متى شعر فضيلتكم بالقدرة على الوقوف على المنبر؟ وما قصة أول كلمة؟
- كان في أول خطبة ألقيتها في ثالث ثانوي أذكر ألقيتها في قرية بعيدة، وهناك قصة لأول كلمة ألقيتها في مخيم عندما كنت في أولى ثانوي حيث خرجت في مخيم مع المدرسة فيه عدد من الطلاب فطلب المشرف على المخيم أن يلقي أحد المشاركين كلمة بعد الصلاة فرفعت يدي متحمساً، وعندما قمت لم أكن محضراً شيئاً، فوقفت وبدأت أتكلم عن مداخل الشيطان على الإنسان في ربع دقيقة بعدها بدأ ريقي يجف اضطربت فاضطررت أن أختم الموضوع وأجلس على الأرض·
* هل الشخصية الدعوية ثمرة موهبة أم علم؟
- الدعوة قسمان، الأول: العناية بنصح الناس، فهذه لا تحتاج أن تحفظ القرآن والصحيحين، فيكفي أن تعرف أموراً عامة في الدين لكن لا يتكلم إلاّ بما يعلم·
القسم الثاني: تعليم الناس والفتوى لهم، فهذه يحتاج لعلم شرعي، أما بالنسبة للموهبة في توصيل الدعوة فهي قد تكون موهبة عند الشخص في طريقة إلقائه، ويستطيع تنمية مهاراته بذلك في فن الإلقاء، وفن الدعوة، وفن التعامل مع الناس فمن كان فاقداً لمهارات معينة يستطيع أن يكتسبها·
* هل هذا يعني أن هناك مشايخ يحتاجون لمهارات في فنون الدعوة أو غيرها؟
- المشايخ من الناس، والناس يتفاوتون في قدراتهم، فالأب ينبغي أن ينمي قدراته في التعامل مع أولاده، والزوج مع زوجته، وكذلك الخطيب والداعية، يحتاج أن ينمي قدراته في الإلقاء أو التعامل أو معرفة طباع الناس أو غير ذلك·· ففي بعض الأحيان تجد خطيب جمعة قبل أن تبدأ الخطبة بنصف ساعة لا تكاد تجد مكاناً في المسجد، بينما خطيب آخر تأتي وهو في نهاية الخطبة أو ربما تأتي وقد أقيمت الصلاة وتستطيع أن تصلي في الصف الثاني أو الثالث··
* ما الذي يجعل الناس يتأثرون بشيخ دون آخر؟
قدرته على جذب الناس أثناء الإلقاء، مع الإخلاص لله تعالى طبعاً، فإذا وفق الإنسان لأسلوب مناسب لتوصيل فكرته للناس فهذا أمر حسن، وفي بحث عمله أحد معاهد الإلقاء ذكر أن 67 % من تأثير المحاضرة هو من مهارات الإلقاء التي يمارسها من خلال رفع الصوت وخفضه، والمسح البصري وحركة اليدين، وأن الباقي 33 % يعتمد على المعلومات التي يلقيها والجو المحيط كالمكيف والإنارة و·· وأقول: ينبغي لكل من تصدر للناس في الدعوة أو كان مدير شركة وكل من يواجه الناس ويتكلم لابد أن يكون عنده معرفة بمهارات الخطاب والاتصال، فبعض الناس الموهبة موجودة عنده أصلاً وإن لم توجد فينبغي أن ينميها عبر القراءة أو حضور دورات وما إلى ذلك·
* هل هناك أخطاء معينة تحذر منها المبتدئ في طريق الدعوة؟ - أوصي من أراد أن يشتغل بالدعوة بالإخلاص لله تعالى، وأن يحترم عقول الناس الذين يحضرون عنده بالتحضير الجاد لهم، ولا يكون كما يقولون في المثل العامي “أفتح فمك ويرزقك الله” فقد اختلف الأمر وأصبحت المنابر التي تخاطب الناس كثيرة، منابر إعلامية وفضائية وصحافة و··، فلا بد أن تعد إعداداً جيداً· ومن الأخطاء التي قد تقع من بعضهم في الدعوة أحياناً إساءة الظن بالمدعو، فمثلاً يأتيه شاب بلباس غير مناسب وله قصة شعر، ومعه سيجارة مثلاً فتجدنا أحياناً نسيء الظن به ونرى أنه إنسان فاسق فاجر، وما أدراك لعله يحمل في صدره قلباً رقيقاً محباً للخير· وفي صحيح البخاري عن أنس لما أُتي للنبي صلى الله عليه وسلم برجل شرب خمراً فجلد وأخرج ثم جيء به قد شرب خمرا فجلد واخرج ثم جيء به ثالثة قد شرب خمراً فجلد فلما أخرج قال رجل من الناس: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به!! لاحظ يلعن رجلاً شارباً للخمر فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام هذا الكلام غضب والتفت على الرجل وقال: “لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله” نعم أنظر إلى الجانب المشرق لشخصية الآخر لا تنظر فقط إلى ظاهره· ومن الأخطاء أنك تجد بعض الدعاة يمل بسرعة، إذا صرت داعية تحمل ازدحام الناس عليك، تحمل رفعهم لقضاياهم إليك، هذا يعطيك ورقة تثبت أن عليه دية وهذا ولده مسجون ويريدك أن تشفع له في خروجه وهذا ابنه مريض يريدك تذهب وتقرأ عليه وهذا في مشكلة بينه وبين زوجته لا بد أن تستمع إليه وتحل مشكلته وهذا·· نحن نردد دائماً: طريق الدعوة ليس مفروشاً بالزهور، ثم إذا أصابنا فيه شيء من التعب تركناه·· وكم من الدعاة يمل·· فتجده ترك الدعوة واشتغل بعقار أو غيره، ويجوز أنك تجمع بين التجارة والدعوة، لكن لا يطغى انشغالك بكسب العيش على العمل الدعوي مادام أنك موفق ومقبول·
* ظهر الشيخ العريفي بأسلوب دعوي تمتزج فيه الدعوة بالقصة والحجة والجدية هل كان ذلك مقصوداً بتخطيط مسبق أم كانت بتلقائية عفوية؟
أساليب توجيه الناس متنوعة، فمنها أسلوب الأستاذية، افعل ولا تفعل،فتقول له: لا تزن ولا تسرق ولا تكذب، والناس قد لا يتقبلون أسلوب الأستاذية، خصوصاً أننا في عصر ينادون فيه بالحرية في أساليب الحياة مما جعل الناس يترفعون عن قبول أسلوب افعل ولا تفعل، ولذلك تضطر أحياناً أن تمارس أساليب أخرى أرق، مثلا يمكن أن أقول لك لا تكذب وممكن أذكر لك قصة عن شخص صادق وقع في مواقف محرجة شديدة ومع ذلك لم يكذب، كأني أقول لك يا أخي أفعل مثله، والقرآن أكثر من 70 % منه قصص، قصة موسى في القرآن أعيدت خمساً وعشرين مرة واسمه تكرر مائة وثلاثة وثمانين مرة، والنبي صلى الله عليه وسلم حكى لأصحابه قصصاً قصة أصحاب الأخدود قصة موسى والخضر قصة جريج العابد وغير ذلك· والقصص كما قال الإمام مالك: “القصص جند من جنود الله تعالى”
* وما هي الانطباعات التي وجدتها عند استعمالك لهذا الأسلوب؟
- ينبغي على الداعية الذي يسلك هذا الأسلوب القصصي أن يعتني بأمور منها:أن يكون أسلوبه في طرح القصة مناسباً، يستعمل أحسن الأساليب البلاغية أثناء القصة، فما أجمل أن تذكر القصة ويشعر السامع كأن أمامه مشهد، ما أجمل أن يصل الداعية في طريقة عرضه إلى هذه الدقة من التصوير حتى يتأثر الناس بأسلوبه، وأذكر أنني خطبت جمعة بقصة ماعز رضي الله تعالى عنه عندما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: “يا رسول الله زنيت فطهرني” وعندما خرجت أمسك بي أحدهم، قال لي والله أني سمعت القصة مائة مرة وأنا نفسي ألقيتها عدة مرات لكن عندما سمعتها الآن كأني أسمعها لأول مرة!لذلك أقول: إن دقة التصوير واستعمال عبارات عاطفية تحرك القلب، تُشعرك كأنك تشاهد أحداثها أمامك، وقد لاحظت بعضهم يستعمل القصة لكن لا يحسن صياغتها الصياغة المناسبة فلا يتأثر الناس بها·
* هل الناس الآن محتاجون إلى تجديد الخطاب الدعوي؟
- الخطاب الدعوي لا بد أن يتناسب مع معطيات العصر الذي يعيشه فالخطاب دعوي قبل أربعين سنة والناس ليس عندهم إعلام الجرائد والمجلات غير منتشرة، ولعلك تذكر عندما كنا صغاراً كان خطيب الجمعة بالنسبة إلينا هو الموجه الأسبوعي وهو الشيخ الذي نحترمه وأي كلام يقوله نبجله، واليوم خطيب الجمعة إذا لم يكن قوياً في خطبته أو في درجته العلمية أو الناس لم يكونوا مقتنعين به لم يكن له التأثير المرجو، وذلك لأنه يزاحمه كاتب المقال، والمتحدث في التلفاز وغيرهم، لذلك أقول: إن تجديد الأساليب وتنويعها، كالاستعانة ببعض الإحصائيات، فأمامي أناس قد لا يقتنعون أحياناً إلا بمثل هذه الأساليب فماذا يمنع عندما أتكلم عن الخمر آتي لهم من الإنترنت بإحصائية انتشار الخمر في أمريكا أو في أوربا وعدد قضايا القتل وعدد الحوادث التي حصلت، إضافة إلى ذكر النصوص الشرعية.
*ما حدود استخدام وسائل العرض في المساجد للخطيب والمحاضر؟
خطبة الجمعة يبقى لها رزانتها وبهاؤها ولها نوع من التعبد خاص، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من مس الحصى فقد لغى”، “من قال لصاحبه أنصت فقد لغى”، أنت مأمور ألا تلتفت إلى شيء غير كلام الخطيب ولا بد أن يعود الناس على هذا يعودون أن يتلقوا من الخطيب من غير مساعدات، غداً قد لا يوجد مساعدات، كهرباء، كمبيوتر· أما في المحاضرات فأنا أرى هذا، وعندي درس له أربع سنوات في جامع الحديثي بالرياض استعمل فيه عرض البوربوينت عبر البروجكتر، وقد شرحت فيه أشراط الساعة وشرحت فيه الفقه، ولما بدأت باستعمال عروض البوربوينت بدأت أعداد الحاضرين تتزايد ولاحظت أن نصفهم من غير طلبة العلم فيحضر عندي شباب يرتدون قبعات وبدلة رياضة وقصات شعر يداومون عندي أسبوعياً· حتى إني في أحد الأسابيع فقدت هذه النوعية وعندما ختمت الدرس سألتالموجودين قلت: يا شباب اليوم ألاحظ العدد قليل ولم أقل أن النوعية الأخرى لم تحضر؟ قالوا: يا شيخ اليوم مباراة الهلال والاتحاد!! وعندما جاء الأسبوع الذي بعده حضرت تلك النوعيات مرة ثانية، ومن أسباب جذبهم التجديد في الطرح·
* ما سبب مشاركة عدد من الدعاة في وسائل الإعلام بشكل مكثف؟
- أعتقد أن وسائل الإعلام هي التي اتجهت إلى الدعاة، فقبل أربع سنوات أو خمس سنوات صار هناك توجه كبير من وسائل الإعلام إلى المشايخ عندما صارت أمريكا وغيرها تضغط على الإسلام وتنتقصه وتحاول أنها تسيء إليه بدأ الناس يقبلون على الإسلام ويتمسكون به أكثر مما جعل وسائل الإعلام تقبل على المشايخ، هذا شيء والشيء الآخر وسائل الإعلام تختار من عندهم قدرة إعلامية وأنت تعلم أن الحديث مع الكاميرا ومواجهة الكاميرا ليس كالحديث على المنبر أو الحديث في المساجد يعني هناك حس إعلامي لا بد يكون عنده قدرة على المخاطبة الإعلامية أنا ألاحظ أحياناً يخرج باحثون اجتماعيون، علماء نفس أحياناً، أطباء، مهندسون وأعتبره فاشلاً إعلامياً ويحضر مشايخ أيضاً وأعتبرهم أيضاً مثل أولئك، فليس كل شخص عنده معلومات يظهر في التلفزيون والناس ينجذبون إليه، ما لم يكن عنده جذب إعلامي وقدرة على التأثير في الشخص الذي أمامه وإلا فلن يستمع إليه الناس، تلاحظ مثلا أن بعض القنوات تعلن أنها تحتاج إلى قارئ أخبار ويتقدم لها ألف شخص وكلهم يُرفضون· هل معنى هذا أنهم لا يتقنون العربية؟ أو لغتهم غير سليمة؟ لا لكن بعضهم ليس عنده القدرة على مخاطبة الكاميرا ولا حس إعلامي ناجح·
* لك برنامج رائع في قناة اقرأ (استمتع بحياتك) حدثنا عنه؟
- فكرة البرنامج تعتمد على مهارات في التعامل مع الهموم التي تصيب الإنسان في الحياة وطريقة استمتاع الإنسان بالحياة من خلال أشياء في مقدوره، ليس من خلال المال أو الجمال أو القوة الجسدية أو النسب الرفيع أو الجاه يعني استمتع بحياتي من خلال أخلاقي من خلال تنمية قدراتي· وتكلمت في أول حلقة عن حقيقة المتعة في الحياة، هل لا بد أن تكون غنياً لتستمتع؟ هل لابد أن تكون قوياً في جسدك أو رفيعاً في نسبك حتى تستمتع، البرنامج جماهيري فيه نوع تجديد، فأمامي طاولات مستديرة ومجموعة شباب متنوعين والحمد لله البرنامج يبث ثلاث مرات في الأسبوع·
0 التعليقات:
إرسال تعليق