ولد إبراهيم الصلحي بمدينة أمدرمان في الخامس من سبتمبر عام 1930. وفي أمدرمان تلقى تعليمه العام والثانوي إلى أن التحق بمدرسة التصميم في كلية غردون التذكارية، 1948. قضى الصلحي في مدرسة التصميم ثلاث سنوات يدرس الرسم والتلوين ودرّس بها قبل أن يبعث لبريطانيا لمواصلة دراسته في مدرسة سليد للفنون بجامعة لندن في النصف الثاني من الخمسينيات. وبعد أن قضى النصف الأول من الستينيات يدرِّس الرسم والتلوين لطلاب كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالخرطوم، سافر صلحي لنيويورك لدراسة التصوير الفوتوغرافي لمدة عام في جامعة كولومبيا. من الصعب اختزال التدريب الفني للصلحي على التعليم النظامي وحده كون الرجل يعتبر التعليم ممارسة حياتية تندمج في المسار الوجودي للشخص بشكل عضوي، ففي حوار مع صديقه الناقد والباحث الأفريقاني "أولي باير"، بمناسبة معرض نظّمته صالة "ايوالوا هاوس" في مطلع الثمانينات بمدينة "بايرويت" الألمانية. يقول الصلحي أن تدريبه الفني قد بدأ وهو طفل في الثانية من عمره حين كان في خلوة والده شيخ الصلحي يحاول نسخ الكتابات والشرافات على ألواح الخلوة. والناظر في أعمال الصلحي القديمة و الحديثة يلمس بسهولة أن الرجل لم ينقطع أبداً عن تعلّم التقنيات والأساليب الجديدة واستكشاف الرؤى الإبداعية المخالفة لكل ما عهد عنه في أوقات سابقة. كل هذا أهّله لأن يكون بين القلة من أبناء جيله ممن لا تزال ممارسة الرسم عندهم همّا يومياً. وأهمية الصلحي في مشهد التشكيل السوداني المعاصر إنما تتأتّى من طريقة الرجل الرائدة في مقاربة الممارسة الفنية بانتباه نوعي لبعدها الاجتماعي. وهو أمر لم ينتبه له جيل الرسامين السودانيين الذين سبقوا الصلحي، بل لم ينتبه له نفر كثير من جيل الصلحي نفسه. وممارسة الرسم عند الصلحي لا تقتصر على البعد الجمالي العملي وحده بل تتعداها نحو السعي الفكري لتأسيس إشكالية فلسفية حول دور الفنان في مجتمعه. يقول الصلحي أن أول معرض أقامه في الخرطوم بعد عودته من السليد سكول أوف آرت لم يجذب الجمهور السوداني لأن الأعمال المعروضة لم تكن تعبر عن الموروث التشكيلي للسودانيين. وقد ألهمه هذا الواقع البحث عن المكونات السودانية في تجربة السودانيين التشكيلية وذلك بغرض استخدامها لتأسيس أسلوب تشكيلي سوداني ومعاصر في آن. وفي هذا المشهد، سعى الصلحي من خلال بحثه لتعريف نوع من أبجدية بصرية تعكس مكونات الثقافة البصرية للسودانيين. وهكذا انطبعت أعمال الصلحي منذ عودته من بريطانيا بموتيفات تستلهم البعد الثقافي العربي [فن الخط] وأخرى تستلهم البعد الثقافي الأفريقي [زخارف المصنوعات الشعبية]. وقد تبع الصلحي في مسعاه نفر من أبناء جيله حتى شكلوا تيارا عفويا سرعان ما أطلق عليه اسم "مدرسة الخرطوم". ويمكن فهم القبول "الرسمي" لتيار مدرسة الخرطوم في كون عرض الصلحي لتأسيس "فن تشكيلي سوداني"، إنما كان يلبّي ـ و بشكل عفوي في البداية ـ طلبا سياسيا لدولة الطبقة الوسطى المدينية التي ورثت من المستعمر وطنا من الأشتات العرقية والثقافية التي افتتحت عهد الاستقلال السياسي بحرب أهلية في الجنوب. وجدت السلطات في عرض الصلحي ـ ومن صاروا شركاه لاحقاـ نوعاً من "محتوى" ثقافي سوداني ـ و"سودانوي" لاحقاـ منفعته السياسية لا غلاط فيها على صعيد مشروع بناء الوحدة الوطنية التي بدونها يستحيل بناء التنمية الاجتماعية والاقتصادية في السودان. و هكذا تحول الصلحي مع بداية السبعينات ـ وهي الفترة التي تثبتت فيها صورته كفنان أفريقي معاصر ذي وزن عالمي ـ إلى نوع من أيقونة وطنية حتى أن صورته كانت تزين بعض ملصقات وزارة السياحة بوصفه فنان السودان القومي. ولا شك إن الثقل الإعلامي للرجل سوّغ للسلطات استخدامه في المشروع السياسي لدولة الطبقة الوسطى المدينية فعينته دولة جعفر النميري في أرفع المناصب الثقافية التنفيذية كوكيل لوزارة الثقافة. ولم يستنكف الصلحي ـ بحسه الوطني العالي ـ عن تكريس كل طاقاته لخلق سياسة ثقافية جادة كانت هي الأولى من نوعها في معظم بلدان أفريقيا والشرق الأوسط. ورغم أن ملابسات الصراع السياسي في السودان أدت بالصلحي إلى السجن في منتصف السبعينيات، إلا أن تجربته الرائدة في مجال التأسيس والتنظيم لبنى العمل الثقافي في السودان مازالت تستحق الدراسة المتأنية لاستخلاص العبر والدروس التي تقتضيها مساعي التنمية المستديمة في بلد كالسودان. عرض صلحي أعماله منذ مطلع الستينيات في كل أنحاء العالم في العديد من المعارض الفردية والجماعية. ومن بين المتاحف التي تقتني أعماله نجد متحف الفن الحديث بنيويورك ومتحف الميتروبوليتان بنيويورك وغاليري الشيز مانهاتن بنيويورك ومتحف الفن الأفريقي بواشنطن ومكتبة الكونغرس والناشونال غاليري أوف فيكتوريا بسيدني وغاليري لامبير بباريس والناشيونال غاليري في برلين ومصلحة الثقافة بالخرطوم. بين النصوص المنشورة عن عمل الصلحي، هناك مادة غزيرة بأكثر من لغة، نذكر منها بالانجليزية: رسالة جامعية للدكتور أحمد الزين صغيرون عن حركة الفن المعاصر في السودان [لم اطلع عليها ولكنها تمت في جامعة وارسو في منتصف الستينيات]. وفي اللغة العربية هناك نصوص كثيرة متأخرة كتبت عن عمل الصلحي ليس في إمكاني تصنيفها حالياً، وعليه يقتصر تصنيفي على بعض المراجع القديمة نوعا حتى تتسنى لي عودة للأمر في ظروف أفضل. أنظر الفنان السوداني إبراهيم الصلحي، مجلة حوار، العدد الثالث، مارس و أبريل 1965 صالح الربيعي، الفن المعاصر في البلدان العربية، بغداد، 1986. بلند الحيدري، زمن لكل الأزمنة، مجموعة نصوص عن الفن العربي المعاصر، بغداد، 1981. هاشم محمد صالح، حوار مع الصلحي، الأيام عدد السابع والعشرين من نوفمبر 1974. حسن موسى، عمل صلحي بعيون صغيرون، الأيام، الرابع والعشرون من شهر أبريل 1975. الأمل في اصلاح العمل، مكاتيب الصلحي، مراسلات مع الصلحي نشرت في "جهنم" ، نشرة خاصة يصدرها حسن موسى، رقم 22 عدد مارس، 2003. حسن موسى أبريل 2004 من أعمال الفنان إبراهيم الصلحي
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق